قاعات اختفت برحيل أعمدتها وإصلاح الوضع لن يكون غدًا
حينما نذكر البليدة، و تكون موضوع نقاش و سمر و سهر في الليالي الساخنة و الباردة ، تتبادر إلى أذهاننا تلك الصور المليحة ، عن حظيرة الشريعة ، و الثلوج التي تزين قمم سهل المتيجة ، مطلة عليه كل فصل شتاء ، والبساتين الملونة ، بثمرها وعطرها الفواح، و نذكر أيضا عجائزها وصناعة ماء « الورد و الزهر»، و أكلة الحمّامة، المستخلصة من أكثر من 90 عشبة برية، و لباسها المشهورة به، و ليس هذا فقط بل ذكر البليدة يتعداها الى شهرتها أيضا في أنها الى وقت طويل و زمن قريب، كانت قبلة الفنانين والفن، أما للراحة و الاستجمامة، أو لأنها قبلة في فنون العروبي و الحوزي، وقاعدة خلفية بامتياز لأسماء عملاقة في المسرح و السينما، فهي كانت عبر الازمنة ، محجا بامتياز لكل من يهوى « هذا الفن»، لكن ذلك يبدو أنه عاد حكيا ضمن دفاتر التاريخ ، و بات ذكرى طيبة لحقبة شهدتها عاصمة المتييجين و لم تعد السر الكامل في هذا الاستطلاع الذي انجزته «الشعب» بعين المكان.
« الشعب « غاصت في اغوار التاريخ والحاضر، واستشرفت في شهادات مستقبل ابي الفنون بالبليدة ، وعادت بحقائق جميلة واخرى غير محمودة المسمع والذكر، لأسباب يتشارك و يتحملها أكثر من مسؤول .
قاعة « محمد التوري « للمسرح قلعة في سماء ابي الفنون ..
إلى وقت قريب ، كانت قاعة التوري و المشهوري بـ «الكابتول » زمن حقب بعيدة وقريبة ، تتزلزل أرضيتها للأسماء الفنية الوطنية و العالمية التي وقفت على ركحها ، تمتع الجمهور الذواق لفن المسرح بوجه خاص، لكن كل ذلك اختفى و تلاشى، حتى بات الندم و الحسرة يعتريان، خاصة الذين عاشوا فترة ازدهار القاعة التاريخية « الكابتول « او « التوري « كما يحلو للبعض تسميتها بساحة التوت ، و سط المدينة العاصمة ، بسبب الإهمال الشديد الى درجة أن من يزورها من وراء الابواب المقفلة منذ أكثر من سنتين ، يظن انه في مكان مسه الخراب أو نسيه أهله وهجروه، بعد أن كانت منصة بامتياز لمزاولة انشطة التجمعات وبعض الاحتفاليات بها و العروض المسرحية الخالدة، الا أن القاعة « الحزينة « ، أصبحت محل نقد و استياء و غلق ربما مقصود، أو ناجم عن تقصير و عدم المسؤولية ، فكراسيها تحطمت و حيطانها انشقت ، و تسربات قطرات المطر أضحت تسقط فوق أشباح رؤوس جمهور انقرض، على العكس من الزمن الذهبي، أين كان « محيي الدين بشطرزي و حسن الحسني وكلثوم و مصطفى كاتبو محمد التوري، وأسماء ثقيلة من جواهر و معدن نفيس، صنعت وتصنع الفرجة، وتمتع الجمهور بمسرحياتهم و عروضهم الفنية.
أعمدة المسرح والعروض من كل قارات العالم كانوا هنا ..
بقلب مكسور وحسرة المتألم، لا يزال العم يوسف أوراغي، احد المسرحيين من العهد الذهبي، يحلم في اعتراف و حديث حسرة لـ « الشعب « ، أن يرى و تعود القاعة « الرمز « إلى مجدها ، و تقدم العروض و الرسائل و المواضيع الاجتماعية ، حول « الزواج « و الطلاق « و الفقر» و الدجل و أحتيال « السحارين « ، و ما إلى ذلك من المواضيع التي تصنع يوميات الناس وقتها، و تعالج في قلب مسرحي ، لمداواة تلك المظاهر أو استئصالها، بطريقة هزلية أو درامية ، لكنه يقول هيهات أن يعود ذلك الزمن الجميل، وتتراقص فوقه تلك الفراشات و أولئك العصافير و البلابل،من جزائرنا العميقة ، أو من دول شقيقة و صديقة ، مثل حصل و وقف على ركح مسرح ، من الروس و الفرنسيس و الأمريكان ، والمغاربة و التوانسة، والقائمة تطول، ويمتعون الناس وهم يتفرجون و يضحكون ، أو يتساءلون عن الحكم من مضامين تلك العروض المسرحية.
المأساة كبيرة و تدارك الامور بات ضربا من الخيال ..
في آخر تصريح للوالي يوسف سرفة ، على هامش ندوة صحفية ، اقر بأنهم سيجددون و سيعملون على اعادة ترميم و تجديد قاعة التوري، و هو ما بعث الفرحة و المسرة الى قلوب ابناء البلدة، و ليست التوري فقط من ترثي حالها، فقاعة متيجة «الكوليزي» ببوفاريك التي كانت صرحا ثقافيا هاما بالمدينة، والولاية ككل وتعد معلما تاريخيا وفنيا ، وهي تحفة أثرية ومعمارية تكاد تكون فريدة من نوعها إذ لايوجد مثلها في الجزائر، إلا في ولايتي سكيكدة ووهران، فمنصتها فهي الأكبر، وعرفت أيضا ، تنظيم نشاطات ثقافية وفنية ضخمة، وعروض مسرحية متنوعة على مدار عقود طوال، فهي اليوم أضحت في حالة كارثية أهملت ، لسنوات عديدة ويبدو أن ذلك الوضع سيطول، وهو ما سيؤثر على واقع» ابي الفنون « عموما في ولاية البليدة ، و انعكس على الجمهور ، و الذي اصبح مفصولا عن هذا الفن ، و طلقه بالثلاث دون رجعة ، حتى ان فيه من الهواة و الملهمين ، باتوا يقصدون مدنا اخرى للتدرب، او تقديم العروض ، مما أرجع الواقع الثقافي في هذا اللون من الفنون، متخلفا و غير محل سخط و هجران من عشاق أبي الفنون، و الوقت اليوم يستدعي إعادة برمجة الذهنيات ، و تفعيل آليات جديدة ، حتى يعود واقع المسرح الى الحضور ، خصوصا و أن عالمنا اليوم ، يزخر بأدوات التكنولوجيا
والواقع الافتراضي، والذي اصبح الجميع إن لم نقل في تأكيد الكل، يلجأ اليه و يفضله امام الانسحاب المفروض، على مثل هذه الفنون و الهياكل المظلمة.