عمالقة مرّوا من هنا وصنعوا مجد البليدة الفني

 « أبـــو الفنون» بالبليدة حاضـر غائـب بطعـم الدمـوعّ

البليدة: لينة ياسمين

  قاعات اختفت برحيل أعمدتها  وإصلاح الوضع لن يكون غدًا

حينما نذكر البليدة، و تكون موضوع نقاش و سمر و سهر في الليالي الساخنة و الباردة ، تتبادر إلى أذهاننا تلك الصور المليحة ، عن حظيرة الشريعة ، و الثلوج التي تزين قمم سهل المتيجة ، مطلة عليه كل فصل شتاء ، والبساتين الملونة ، بثمرها وعطرها الفواح، و نذكر أيضا عجائزها وصناعة ماء « الورد و الزهر»، و أكلة الحمّامة، المستخلصة من أكثر من 90 عشبة برية، و لباسها المشهورة به، و ليس هذا فقط بل ذكر البليدة يتعداها الى شهرتها أيضا في أنها الى وقت طويل و زمن قريب، كانت قبلة الفنانين والفن، أما للراحة و الاستجمامة، أو لأنها قبلة في فنون العروبي و الحوزي، وقاعدة خلفية بامتياز لأسماء عملاقة في المسرح و السينما، فهي كانت عبر الازمنة ، محجا بامتياز لكل من يهوى « هذا الفن»، لكن ذلك يبدو أنه عاد حكيا ضمن دفاتر التاريخ ، و بات ذكرى طيبة لحقبة شهدتها عاصمة المتييجين و لم تعد السر الكامل في هذا الاستطلاع الذي انجزته «الشعب» بعين المكان.

« الشعب « غاصت في اغوار التاريخ والحاضر، واستشرفت في شهادات مستقبل ابي الفنون بالبليدة ، وعادت بحقائق جميلة واخرى غير محمودة  المسمع  والذكر، لأسباب يتشارك و يتحملها أكثر من مسؤول .


 قاعة « محمد التوري « للمسرح قلعة في سماء ابي الفنون ..

إلى وقت قريب ، كانت قاعة التوري و المشهوري بـ «الكابتول » زمن حقب بعيدة وقريبة ، تتزلزل  أرضيتها للأسماء الفنية الوطنية و العالمية التي وقفت على ركحها ، تمتع الجمهور الذواق لفن المسرح بوجه خاص، لكن كل ذلك اختفى و تلاشى، حتى بات الندم و الحسرة يعتريان، خاصة الذين عاشوا فترة ازدهار القاعة التاريخية « الكابتول « او « التوري « كما يحلو للبعض تسميتها بساحة التوت ، و سط المدينة العاصمة ، بسبب الإهمال الشديد الى درجة أن من يزورها من وراء الابواب المقفلة منذ أكثر من سنتين ،  يظن انه في مكان مسه الخراب أو نسيه أهله وهجروه، بعد أن كانت منصة بامتياز لمزاولة انشطة التجمعات وبعض الاحتفاليات بها و العروض المسرحية الخالدة، الا أن القاعة « الحزينة « ، أصبحت محل نقد و استياء و غلق ربما مقصود، أو ناجم عن تقصير و عدم المسؤولية ، فكراسيها تحطمت و حيطانها انشقت ، و تسربات قطرات المطر أضحت تسقط فوق أشباح رؤوس جمهور انقرض، على العكس من الزمن الذهبي، أين كان « محيي الدين بشطرزي و حسن الحسني وكلثوم و مصطفى كاتبو محمد التوري، وأسماء ثقيلة من جواهر و معدن نفيس، صنعت وتصنع الفرجة، وتمتع الجمهور بمسرحياتهم و عروضهم الفنية.

 أعمدة المسرح والعروض من كل قارات العالم كانوا هنا ..

 بقلب مكسور وحسرة المتألم، لا  يزال العم يوسف أوراغي، احد المسرحيين من العهد الذهبي، يحلم في اعتراف و حديث حسرة لـ « الشعب « ، أن يرى و تعود القاعة « الرمز « إلى مجدها ، و تقدم العروض و الرسائل و المواضيع الاجتماعية ، حول « الزواج « و الطلاق « و الفقر» و الدجل و أحتيال « السحارين « ، و ما إلى ذلك من المواضيع التي تصنع يوميات الناس وقتها، و تعالج في قلب مسرحي ، لمداواة تلك المظاهر أو استئصالها، بطريقة هزلية أو درامية ، لكنه يقول هيهات أن يعود ذلك الزمن الجميل، وتتراقص فوقه تلك الفراشات و أولئك العصافير و البلابل،من جزائرنا العميقة ، أو من دول شقيقة و صديقة ، مثل حصل و وقف على ركح مسرح ، من الروس و الفرنسيس و الأمريكان ، والمغاربة و التوانسة، والقائمة تطول،  ويمتعون الناس وهم يتفرجون و يضحكون ، أو يتساءلون عن الحكم من مضامين تلك العروض المسرحية.

المأساة كبيرة و تدارك الامور بات ضربا من الخيال ..

 في آخر تصريح للوالي يوسف سرفة ، على هامش ندوة صحفية ، اقر بأنهم سيجددون و سيعملون على اعادة ترميم و تجديد قاعة التوري، و هو ما بعث الفرحة و المسرة الى قلوب ابناء البلدة، و ليست التوري فقط من ترثي حالها، فقاعة متيجة «الكوليزي» ببوفاريك التي كانت  صرحا ثقافيا هاما بالمدينة،  والولاية ككل وتعد معلما تاريخيا وفنيا ، وهي تحفة أثرية ومعمارية تكاد تكون فريدة من نوعها إذ لايوجد مثلها في الجزائر، إلا في ولايتي سكيكدة ووهران، فمنصتها فهي الأكبر، وعرفت أيضا ، تنظيم نشاطات ثقافية وفنية ضخمة، وعروض مسرحية متنوعة على مدار عقود طوال، فهي اليوم أضحت في حالة كارثية أهملت ، لسنوات عديدة ويبدو أن ذلك الوضع سيطول، وهو ما سيؤثر على واقع» ابي الفنون « عموما في ولاية البليدة ، و انعكس على الجمهور ، و الذي اصبح مفصولا عن هذا الفن ، و طلقه بالثلاث دون رجعة ، حتى ان فيه من الهواة و الملهمين ، باتوا يقصدون مدنا اخرى للتدرب، او تقديم العروض ، مما أرجع الواقع الثقافي في هذا اللون من الفنون، متخلفا و غير محل سخط و هجران من عشاق أبي الفنون، و الوقت اليوم يستدعي إعادة برمجة الذهنيات ، و تفعيل آليات جديدة ، حتى يعود واقع المسرح الى الحضور ، خصوصا و أن عالمنا اليوم ، يزخر بأدوات التكنولوجيا
والواقع الافتراضي، والذي اصبح الجميع إن لم نقل في تأكيد الكل، يلجأ اليه و يفضله امام الانسحاب المفروض، على مثل هذه الفنون و الهياكل المظلمة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024